ديوان العزيزات

ديوان العزيزات
العزيزات ومعركة مؤتة والرحيل إلى مادبا: حكاية وفاء وهوية
في العام 629 ميلادي، وعلى أرض الكرك، دارت معركة مؤتة الخالدة، بين جيش المسلمين وقوات الروم. لم تكن تلك المعركة عابرة، بل شكّلت مفترق طرق حضاري وثقافي وسياسي في قلب بلاد الشام. وبين تضاريس الكرك الصخرية وقراها، ظهرت مواقف نادرة من بعض القبائل المسيحية العربية، التي اختارت أن تقف إلى جانب العدالة، أو على الأقل، أن تحفظ يدها من الدم، وأن تبقى صوتًا للسلام، لا صدى للسيوف.
عشيرة العزيزات، التي كانت حينها مستقرة في الكرك، حملت ذلك الموقف الشريف في ذاكرتها الجمعية. لم تكن أداة بيد القوى المتصارعة، بل حافظت على كيانها، وكرامتها، ومبادئها الممتدة من عمق الإرث الغساني العربي المسيحي.
وبعد قرون من التغيرات السياسية والاجتماعية، وفي عام 1879 ميلادي، اتخذت العشيرة قرارها التاريخي بالرحيل من الكرك إلى مادبا. لم يكن هذا الانتقال هروبًا، بل كان انتقالًا واعيًا نحو الاستقرار والبناء. جاؤوا إلى مادبا حاملين معهم جذورهم، وتاريخهم، وشِعرهم، وأغانيهم، وجذوة الانتماء التي لم تخمد.
في مادبا، أسّسوا البيوت، وبنوا الكنائس، وانخرطوا في نهضة المدينة الجديدة، فكانوا جزءًا من نسيجها الاجتماعي، وساهموا في نهضتها الفكرية والثقافية. وغدت مادبا بيتًا ثانيًا، لا يقل دفئًا عن الكرك، بل أصبح مرآة لروحهم الحرة، ومشروعهم الاجتماعي والوطني.
من مؤتة إلى الكرك، ومن الكرك إلى مادبا، كانت خطى العزيزات تحفظ العهد، وتحمل الرسالة. فسلامٌ على التاريخ حين تكتبه العزّة، وسلامٌ على الحاضر حين تصونه الكرامة.